من كتاب المتشابه من القرآن- لمفسر القرآن محمد علي حسن الحلي:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
72 – (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ) من مكّة إلى المدينة (وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ) الرسول (وَّنَصَرُواْ)
وهم أهل المدينة (أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) بالنصرة والمساعدة والوراثة (وَالَّذِينَ آمَنُواْ) من أهل مكّة (وَلَمْ يُهَاجِرُواْ) إلى المدينة (مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ) إلى المدينة ، أي ما لكم من نصرتهم لكم ولا من إرثهم شيء لأنّهم بعيدون عنكم لا يقدرون على نصرتكم (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ)
أي وإن طلبوا نصرتكم لهم ومساعدتكم فانصروهم وساعدوهم وقاتلوا المشركين من أعدائهم ، وذلك قوله تعالى (فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) ثمّ استثنى سبحانه من كان له عهد وميثاق مع المسلمين على المهادنة وترك القتال فقال (إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) على المهادنة فلا تقاتلوهم 1 ولا تنقضوا الميثاق معهم (وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) .
--------------------------------------------
1 وهكذا يستبين عدل الإسلام مع غيره من أهل الكتب السماوية الذين يهادنونه – المراجع
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ
73 – (وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) أي بعضهم يساعد بعضاً على قتالكم وأذاكم ، فأنتم أولى بالمساعدة والمناصرة بعضكم لبعض لأنّكم تؤجرون على أعمالكم ولكنّ المشركين يخسرون ولا يؤجرون . ثمّ نهى سبحانه عن نقض العهود والمواثيق فقال (إِلاَّ تَفْعَلُوهُ)
وضمير الهاء يعود إلى الميثاق من قوله (إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ) والمعنى لا تنقضوا الميثاق مع من واثقتموهم وتعاهدتم معهم على شيء ، والشاهد على ذلك قوله تعالىفي سورة الإسراء {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} ، (تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ) بسبب نقض الميثاق لأنّ ذلك يؤدّي إلى القتال وسوء الحال (وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) في دينكم ، لأنّكم تتعوّدون على نقض المواثيق ، ولأنّهم
يستحقرون دينكم فيعتقدون حينئذِ ببطلانه إذا نقضتم المواثيق معهم .
وقد قال أكثر المفسّرين أنّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة الأحزاب {وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} يعني بعضهم أَولى ببعض في الميراث . وقد قال تعالى في الآية السابقة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) .
أقول لا منسوخ في القرآن كلّه ولا تبديل لكلمات الله ولكنّ جهلهم بالحقيقة وعدم إدراكهم بمعانيه يجعلهم ينطقون بهذه الكلمة التي هي إثم لقائلها وزور على الله بادّعائهم الناسخ والمنسوخ في القرآن مِمّا جعل اليهود والنصارى ينتقدوننا في ذلك ويقولون إنّ كتابكم فيه منسوخ أمّا كتابنا فمحكم مثبت ليس فيه ناسخ ولا منسوخ ، وذلك مِمّا جعلهم يعتقدون ببطلان القرآن لأنّ المسلمين يقولون فيه ناسخ ومنسوخ .
فقد نسبوالله الجهل بعواقب الأمور وعدم الإدراك بمصيرها بقولهم هذا ، فتعالى الله عمّا يقولون علوّاً كبيراً .
وإنّ مغزى الآية واضح بيّن ، أمّا قوله تعالى في الآية السالفة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) لأنّهم مسلمون والمسلم لا يرثه أهله إن كانوا مشركين بل المسلمون أولى به . أمّا قوله تعالى{وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} يعني إن كان جميعهم مسلمين ، فالمسلم يرثه أهله وأقاربه إن كانوا مسلمين فالآية واضحة بيّنة ليس فيها ناسخ ومنسوخ كما يدّعون .{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ
صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
المتشابه من القرآن-تفسير سورة الأنفال ايات 72-73
لاتنسونا من صالح دعائكم .. تحياتي
محمد العراقي ابن الكوفه